منذ سقوط نظام البشير، برز الإنصرافي كأحد الأصوات المؤثرة في المشهد السوداني، جامعًا حوله قاعدة واسعة من المؤيدين، مستفيدًا من حالة الإحباط الشعبي تجاه قوى إعلان الحرية والتغيير. قدم نفسه كناقد لاذع للأداء السياسي المرتبك، ما أكسبه شعبية كبيرة، خاصة بعد اندلاع حرب أبريل، حيث توسعت قاعدته لتشمل شرائح جديدة، لا سيما من المنتقدين لسياسة انسحاب الجيش في بدايات الحرب. رأى هؤلاء في الإنصرافي صوتًا يعبر عن مخاوفهم، وواجهة قوية لمناهضة تمدد المليشيا بحدة.
من الصعود إلى الصدامات الجانبية
مع مرور الوقت، بدأ الإنصرافي يواجه تحديات لم تكن في حسبانه. فبينما كان يتوقع أن يكون له تأثير سياسي واجتماعي أكبر، وجد أن الواقع يتشكل بعيدًا عن تصوراته. هذا الإحباط دفعه للدخول في معارك جانبية أثرت سلبًا على نفوذه، وأضعفت موقفه في أوساط مؤيديه.
إحدى أبرز هذه المعارك كانت صدامه مع مجتمع الإقليم الأوسط وقيادات درع السودان، وعلى رأسهم أبو عاقلة كيكل، الذي يمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة. هذا الصدام جعله يبدو وكأنه نصير للحركات المسلحة في مواجهة درع السودان، التي رغم خطئها في بداية الحرب بانضمامها للمليشيا، لا تزال ترى نفسها المدافع الأول عن حقوق الإقليم الأوسط.
تبدّل الأولويات وتراجع التأثير
في السابق، تمكن الإنصرافي من توجيه طائفته بسهولة، حيث كان الجميع متفقًا ضد المليشيا. لكن مع تغيّر الأولويات، بدأ خطابه يفقد زخمه، وأصبح غير قادر على استيعاب التحولات السياسية. كثيرون ممن دعموا مواقفه المناهضة للمليشيا بدأوا يبتعدون عنه، بعدما تورط في صراعات جانبية أفقدته التأثير الذي كان يتمتع به.
إحباط التوقعات، والشعور بعدم نيل التقدير الذي كان يتوقعه، قد يدفعانه إلى مزيد من التخبط، وربما يؤدي ذلك إلى تفكك طائفته الرقمية بالكامل. خاصة إذا استمر في استعداء نفس القوى التي أوصلته إلى هذه المكانة، دون أن يدرك أن الحرب والسياسة لا تسيران وفق حساباته الشخصية.
استراتيجيات البقاء: هل يستطيع الإنصرافي العودة؟
لإنقاذ نفوذه الرقمي، يحتاج الإنصرافي إلى إعادة ضبط خطابه السياسي، وتجنب الصدامات غير الضرورية، والتركيز على القضايا التي جمعت حوله مؤيديه في البداية. كما أن تبني نهج أكثر براغماتية، والتفاعل بذكاء مع المستجدات السياسية، قد يمنحه فرصة جديدة لاستعادة تأثيره.
لكن إذا استمر في إدارة معاركه بالطريقة الحالية، فقد يجد نفسه معزولًا عن المشهد، تاركًا المجال لأصوات جديدة لملء الفراغ الذي سيخلفه تراجعه.
السؤال الأهم الآن: هل يدرك الإنصرافي حجم التغيير المطلوب قبل فوات الأوان؟